أجسادُنا تحكي قصة حياتنا معها

صدَق من قال أن أجسادنا يمكنها أن تحكي قصة حياتنا، بل هي أيضا قادرة على أن تحكي ما تعجز ألستنا عن قوله، سواء خوفًا أو رغبة في الهروب من تلك الحكاية الكئيبة.

يتذكر جسدي كل الأذى الذي ألحقته به من حـــرق وتشــويه وقـــطع وتكــسير وانغماس في سلوكيات مضرّة طوال فترة مراهقتي، فلقد عرَف أنني أنتقم منهم عن طريقي، أردُّ أذى المجتمع وعائلتي بإيذاء نفسي كمحاولة مني للشعور بالسيطرة لبعض اللحظات.

فلقد انشغل مجتمعنا “الذ.كوري” بجسدي منذ لحظة ميلادي في هيئة أنثى، يجب تغطية كل شبر منها، ستُختّن لكي نتأكد من عفافها، ستتحجّب لكي لا يرى الر.جال فيها ما يثيرهم جنــ.سيًا، سنتــ.حرّش بها لكي تعرف أنها ليست في أمان كما تظن، وسنعــ.تدي عليها بالضــ.رب سواء من عائلتها أو في مدرستها أو من أي أحد يملك زمام الأمور، لكي نطمئن أنها ستظل تحت طوْعنا.

لذا لم يكن لي سوى د.مــائي لكي أريقها أملاً أن تكون ثمنًا للتحرّر من عبوديتهم .. فكنت أستغلّ كل ما تصل إليه يداي لإحداث أذ.ى واضح وصريح يراه الجميع على جسدي المُستباح رغما عني.. عرفتُ التدخين في سن صغيرة، دخلت في شجارات الشوارع مع الكبار، كنت أمشي بلا حذر فاصطدم بكل المحيطات محدثةً كدمات هنا وهناك، أتخذ قرارات متهوّرة كالقفز من الحافلة المتحركة لمجرد أن صديقتي لم تتمكن من الركوب، كل هذا وأكثر.

جسدي تعلّم أيضًا الاختباء… ظننت أن إجباري على التحجّب مجرد تكملة منطقية لسلسلة القهر والإجبار، ولكن الصدمة كانت في حقيقة أنني “لا أتعرّفني من دونه” ..

عندما حاولت بعفويّة شديدة ازاحته عن شعري لبعض الوقت، مجرد دقائق لا أكثر، لم يكن الأمر سهلاً، وخاصةً أنني لم أرتديه عن محبّة..

ولكن ما حدث كان عبارة عن شلل تام أصاب ساقيّ فلم أعد قادرة على تحريكهما خطوة واحدة للأمام، ولم يحلّ الموقف سوى بشكل لا واعي حين وضعت قطعة القماش على رأسي مجدّدًا كيفما اتفق لأجد أنه كالسحر عولِجت ساقيّ وأستطعت المشي كما السابق.

لقد أصبح الحجاب هو جُحري السرّي الذي أهرب من خلاله من نفسي ومن الناس .. جسدي يخاف الناس والمحيطات.

لذا لم يكن من السهل تقبّل التغيرات الجسدية التي تعني مرور السنين، وتعني التحوّل من الطفولة للشباب، ومن الشباب للنضوج، ومن بعده للشيخوخة التي لا محال منها ..

أنتظر بفارغ الصبر أن يخرج “المخرج” صارخًا من أحد أركان المشهد ليُريحني بكلمه “استووووب” .. فأخلع عنّي تلك البدلة التي تأخذ شكل جسدي والتي أرتديها مضطرة وتحكي عن الألم لا الحياة، الخوف والغضب والتجاهل لا الفرح والإطمئنان والثقة… أن أتوقف عن التمثيل ومحاولات التأقلم في مكانٍ ليس لي.

#حجاب

#حكايات_الجسد

#العنف_ضد_المرأة

Leave a Comment