جولة افتراضية في مسار النكبة الفلسطينية – الجولة الثانية: مخيم النصر – عَمان الأردن

سنرتحل على الأقدام تحت الشمس الحارقة مع المُهجّرين إلى الأردن .. حيث المخيّمات.

تحكي لنا حجة فلسطينية مُهجّرة:

كانت ترتدي التوب الفلسطيني المطّرز الجميل.. تخبرنا بفخر

وصلنا على العاصمة الأردنية عَمّان، لاحظنا أن المخيمات هناك تختلف تمامًا عن تلك في لبنان، حيث تقوم الحكومة الأردنية بجمع اللاجئين الفلسطينيين المُبعثرين في مناطق تم إعدادها خصيصًا لإبقائهم داخلها.

  • وصل عدد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين لـ 16 مُخيم  (13 رسمية + 3 غير  رسمية)
  • ولكن ما المقصود بـ مخيّم معترف به؟ ومَن هم الذين يعترفون به؟

وكالة الإغاثة الدولية الأونروا إذا اعترفت بمخيم، فهذا يجعله رسميًا، أي يحصل اللاجئين بداخله على كل الخدمات، والصحة والتعليم تحت مسئوليتها.

ولكن في حالة عدم الاعتراف به، فهو إذن غير رسمي،  وفي نفس الوقت بداخلهم تجمعات بشرية، فوكالة ” الأونروا ” حينها تتولى مسئولية بناء المدارس في المنطقة، تاركةً التعليم والنظافة والصحة وغيرها تحت قيادة الحكومة الأردنية.

  • مخيّمات (المحطة – الجوفة – العقبة) مخيّمات غير معترف بهم من وكالة الإغاثة الأونروا أو الحكومة الأردنية، فهم لاجئين من قرى 48 وسكنوا أماكن متفرقة حصل لها امتداد جغرافي.
  • مخيم (البقعة) في البلقاء هو أكبر المخيمات الفلسطينية والأضخم في الأردن.
  • مخيّم (غزة) في جرش للأسف يعيش يوميًا ألم التهجير وهم يشاهدون عائلاتهم تتم ابادتهم حاليًا في مجازر إسرائيلية بقطاع غزة المحتل، بالإضافة لأوضاعهم الاقتصادية والصحية الصعبة، نتيجة تراجع الدعم المقدم من وكالة أونروا، وحملهم لقب لاجئ وعدم تجنيسهم في الأردن.
  • مخيّم (حطّين) / (شنلر): في الزرقاء وفيه تولّت الكنيسة ورعاياها ببناء مدرسة للاجئين والبنايات السكنيّة، وهو ما يُبرز مدى التسامح الديني بين الجميع وليس كما يُشاع عن التقاتل الطائفي.
  • مخيّمات الـ 48 – سنة النكبة – حصلت على أسمائها من المناطق التي سكنوها في الأردن، فلم يكن الاسم مهمًا وقتها، فهي “مجرد حالة مؤقتة” وسيعودون إلى بيوتهم، هذا ما قبل لهم وقت التهجير.
  • ولكن بعد “نكسة 67” قرر الفلسطينيين إطلاق أسماء أحيائهم الفلسطينية على المخيمات (مثال: مخيمات البقعة + الطالبية)  لأنهم تيّقنوا أن الانتظار سيكون طويلاً على العودة، راغبين أن يظلوا متّصلين بأرضهم وتاريخها.

وصلنا على أعتاب مدخل مخيّم “النصر” في عَمان، هذا المخيم يحمل اسم آخر وهو “الأمير حسن” كونه يقع في حي الأمير حسن بالقرب من جبل النصر.

المُخيم معترف به من قبل الحكومة الأردنية ولكنه غير معترف به من قبل وكالة الأونروا. 

نرى الحاجّات – الكبيرات في العمر – يجلسن على عتبات البيوت منتظرات الرجوع.

كان من السهل تمييزنا كأغراب عن المكان، لذا نلِنا من كرم الفلسطينيين وخصالهم التي حملوها معهم، حيث يصّرون على ضيافتك بكل محبة ولطف وإطعامك مما لديهم.

البيوت صغيرة للغاية كالعلب لا تُناسب الأُسَر، تتراص بجانب بعضها البعض، مُخلِفة أزقة يتحركون عبرها، كل هذا الضيق يجثم على الأنفاس، الخصوصية معدومة في المخيمات، ولكن رغم كل هذه الصعوبات، تعلم الساكنون أن يكونوا داعمين لبعضهم البعض حتى لو كانت بينهم خلافات، لدرجة أنه لو قابل شخص زميلاً له في المخيم خارج البلاد فإنهم يظلون يطمئنون على بعضهم البعض.

مرة أخرى نرى التماسك الإنساني بمساهمة شخص من الحزب الشيعي بإعمار المسجد السُنّي بكل احتياجاته.

في كل بقعة حولنا يُقابلنا الرسم على الحيطان / جرافيتي، فهو الفن الحي، والذاكرة البصرية للمُقيمين والزائرين بالواقع اليومي الفلسطيني، حيث يتم تحديثه باستمرار بآخر الأحداث.

يرسمها رجلٌ عجوز صاحب محل بسيط، لم يعرف ماذا عليه أن يُقدم لفلسطين، فتولّى لرسم على حيطان المخيم، وتحديدًا في ممرٍ كامل، ليحفظ للأجيال الجديدة التاريخ، بأسماء المدن والأحياء الفلسطينية، والشخصيات وكل رموز المقاومة .. ليربطهم بأرضهم التي لم يروها سوى في الحكايات، محفّزًا إيّاهم على المقاومة والبقاء والعمل من أجل “فلسطين”.

تلك الرسومات طوّعت الخرسانة حولنا، فللأسف لا توجد مساحات خضراء بالداخل، فكان من السهل ملاحظة أن صوت العصافير توقف بمجرد دخولنا للمخيم… نعمة لم نلاحظها سوى الآن.

فكل محاولات المخيّمات في فرد مساحات خضراء حولهم، لم تنجح بسبب نوعية الأرض التي لا تصلح للزراعة، بالإضافة لصعوبة توفير الري، لذا فالزرع يموت ولا يتبقى لهم سوى الخرسانة.

في مخيم النصر، شاهدنا مساحة بسيطة جرداء يمكن الجلوس فيها واللعب بإطارات السيارات كنوع من الترفيه عن الأطفال.

فالأنشطة والرياضات هم ما أبقوا أسماء المخيمات موجودة تحارب الجهل والنسيان.

بالمناسبة احذر، لا تُعطي أيٍّ من  فلسطيني المخيمات موعد بعد “أسبوع” فهي كلمة سلبية سيئة، فعند رحيلهم تم إخبارهم “اخرجوا فقط الآن وستعودون بعد أسبوع، العرب سيأتون ليرجعوكم لأراضيكم”… ولكن لم يأتِ أحد لإنقاذهم.

في وسط المخيّم، مبنى بسيط من طابقين يحمل لافتة مكتوب عليها “جمعية يعرُب التنموية الخيرية”، يحمل الأمل للحاضر والمستقبل، فهي جمعية أقامها شباب المخيم، وتعمل مع الأطفال والشباب الصغير رغم التحديات.. يبنون أجيال جديدة واعية واثقة، قادرين على قيادة المشاريع والمبادرات، قادرين على تطوير أنفسهم، وأن يكون لهم دور ثابت لصالح القضية الفلسطينية، من خلال أنشطة ورياضات وبرامج تأهيلية.

تعمل الجمعية بكل جهدها على الانتشار بين المخيمات وألاّ تكون حكرًا على مخيم النصر – مكان نشأتها – بل يكون لها فروع في كل المخيمات كما حدث في مخيمات (البقعة + الوحدات).. وفي شهر حزيران/يونيو سيحتفلون بمرور 10 سنوات منذ ذكرى النشأة في 2015.

” ليس لي سوى الهُوية” محمود درويش

يُواجه الفلسطينيين في الأردن صعوبةً في الإعلان عن “فلسطينيتهم” كجنسية، مخافة وحرجًا من أن يظن أخوتهم في الأردن أنهم ناكرين للجميل في احتضان الأردن لهم، كحصول البعض منهم على الجنسية الأردنية، على عكس فلسطينيي الشتات في الدول الأخرى الذين يمكنهم الإعلان عن “فلسطينيتهم” بشكل أسهل وأوضح… فمن من الهام أن يظل الفلسطيني مُعلنًا عن نفسه ومحتفظًا بجنسيته الأصلية لحق العودة ولكي لا تندثر فلسطين مع الزمن وتُنسى.

إسرائيل تعتبر المخيمات كابوس يقضّ مضجعهم، فهي تمثيل لصمود الشعب الفلسطيني الذين يقفون شامخين أمامهم رغم محاولاتهم المستمرة للقضاء عليهم، وأنهم رغم الصعاب يحافظون على تاريخهم بكل قوتهم، يتوارثون الحكايات، ويثبّتون اسم فلسطين عاليًا.

انتهت جولتنا هنا .. ولكن الحكايات لم تنتهِ..

 انتظروا الجولة الثالثة والأخيرة من جولة النكبة – المستمرة – في لبنان هذه المرة حيث المناطق المتضررة جرّاء العدوان الإسرائيلي هناك، وشهادات من بين الركام.

———————–

2 Comments

  1. آسر أحمد Reply

    سرد جميل لحقائق موجعة. تحياتي.

    • Omnia

      والله كتير ممتنة لزيارتك للمدونة وقراءة الجولات .. تبادل المعلومات بينا هو أغلى شيء، فشكرا من القلب

Leave a Comment