جولة افتراضية في مسار النكبة الفلسطينية – الجولة الأولى: قرية الطنطورة – فلسطين

قد تكون سمعت عن النكبة .. ولكن مع مرور الزمن تقلّ المعلومات وتتداخل الأحداث … وننسى.

هل سمعت كلمة ” الله استبدلنا” في معركة الفلسطينيين الحالية للبقاء؟

الحقيقة أن للأسف الصهاينة انتصروا علينا كعرب، فلم نعُد السند .. بل هناك بيننا أوغاد آكلين على موائد الضحايا بعدم المقاطعة، أو نشر دعمهم للكيان بكل صفاقة، ونسيان القضية بالكامل وحصرها في مواقف سياسة “تِعرّ”.

ولكن لولا وجود “مشاعل النور” الآن، وخاصة شعوب الدول الغربية وبحثهم عن الحقيقة، ووقوفهم صامدين أمام الخوف وضياع مستقبلهم بسبب هيمنة الصهيونيين على كل شيء حولهم… لمَا كان لِما يجري ثمن .. فالثمن غالٍ بشدة .. دماء وشهداء وأيتام وتجويع وخوف.

إنّ حق “فلسطين” علينا أكبر من هذا .. حق غير مرتبط بدين وعِرق … بل هو حق إنساني .. لذا يجب أن نحفظ لهم تاريخهم، بتداول المعرفة، ونقل حكايات الناجين، لنحفرها بداخلنا مواجهين الزمن، وتزوير الحقائق، وطمس الرواية، والخوف، وفرض النسيان.

لتظلّ فلسطين حيةً صامدة …

ولأننا حاملين مشاعل الحقيقة، نُقاوم بالتوثيق والحكايات، لأن (حقّ العودة) يبدأ بالمعرفة ..

دعوني أشارككم جولة “في مسار النكبة الفلسطينية”، أنقل لكم فيها ما سمعته عن بدايات النكبة، عن الجرح الغائر والتاريخ الحي المنقوش في صدور عائلات الناجين، بينما نحنُ الآن نشهد الموجة الثانية للتهجير من قطاع غزة.

النكبة الفلسطينية حدثت في (15 أيار/مايو 1948) عندما استولت إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، أبادوا أهلها في مجازر وحشيّة، ليكون مصير الناجين هو الشتات حول العالم.

تلك القرية الفلسطينية الجميلة بموقعها المتميّز على ساحل البحر المتوسط، جنوب مدينة حيفا، كانت مركزًا ثقافيًا وسياسيًا .حيث الزراعة والصيد والتجارة، بل كان بها أول نادي.

يحدها من الشمال: كفر لام

من الشرق: منحدرات جبال الكرمة

من الجنوب: جسر الزرقاء + قرية صغيرة “فريديس”

من الغرب: البحر الأبيض المتوسط

جاءتها فرق استكشافية من الصهاينة العاملين في المخابرات والاستعلامات، لوضع خريطة مُحدّثة أولا بأول، مُحدّد فيها أين يعيش المقاومون، وأين يخبئون الأسلحة، وكيف يعيش أهل الطنطورة…الخ

لتأتي الليلة الموعودة التي غاب فيها القمر رعبًا، ففي مساء 22 مايو وحتى فجر يوم 23 مايو/آيار 1948، قامت “حركة اليهود اليساريين /العصابات” بمهاجمة قرية “الطنطورة” ليلاً من البحر والبر سويًا، مُخلفين مذبحة شنيعة وهول يُصعب صياغته في كلمات وتعابير.

بعدما أشرقت الشمس، جُمعت السيدات وكبار السن والأطفال في مكان واحد في العراء تحت الشمس الحارقة بدون ماء ولا طعام، مرتاعين، يُفتشوهم بدناءة، وينهبون الذهب والبيوت.

متناوبين على إعدام الأحياء من الرجال، بجمعهم في صفوف وإطلاق النار بكثافة عليهم حتى الموت، أو وضعهم داخل صناديق وبراميل مُتكوّمين فوق بعضهم ثم اغراقهم بالرصاص، ولم يكتفوا بهذا فإبتكروا طرقًا شنيعة للتخلّص منهم…

لم ينسوا بكل حقارة أن يتركوا خلفهم بعض من شباب القرية ليكونوا مسئولين عن دفن القتلى من أهاليهم.

أما مَن بقيَ حيًا بعد هذا الكابوس من الشباب الصغير، فقد أدخلوه معتقل “أم خالد” لمدة عام، ثم رحّلوهم للضفة الغربية.

كما أحضرت العصابات الصهيونيّة مسئولين بالعلاقات العامة لانتاج أفلام مصورة تعرض أكاذيبهم عن “كيف كانت الأرض مهجورة لا يسكنها أحد سوى الإرهابيين الذين نجحوا في القضاء عليهم”، وأنهم “ينقلون النساء والأطفال في حافلات لمساعدتهم في الانتقال الآمن لمدن أخرى بعد تزويدهم بالماء والطعام”.

بينما في الواقع فإن أهل الطنطورة تم إبادتهم وتهجيرهم بالكامل، وهدم البيوت بل باعوا حجارتها..

نُقل أهل “الطنطورة” لقرية “فريديس” التي لم تسَعهم بسبب صغر حجمها، فتُركوا في العراء، من بعدها أحضر الاحتلال الشاحنات لتهجيرهم لقُرى ومُدن الداخل، وإرسال الباقين للأردن.

لينتهي هذا الجزء الأول من المأساة …

تعالوا لنشاهد عروس البحر المتوسط الحزينة كيف أصبحت الآن…

فوق المقابر الجماعية، والتراب المشرّب بالدماء أقام العدوان قرية سياحية تطلّ على بحرنا المتوسط مُلحق بها موقف سيارات.

ولكن نجح مركز عدالة + مبادرة أهل الطنطورة في تحديد 5 مقابر جماعية استنادًا إلى روايات كبار السن والناجين… وقدّموا طلبات للتحقيق، ورفع قضايا لإحياء ذكرى الطنطورة ومحاكمة شعبية لإسرائيل .. ولكن تلك الجهود والأنشطة توقفت بسبب حرب الإبادة الأخيرة على غزة (من أكتوبر 2023)

يُقابلنا في طريقنا للشاطيء، دار “يحيى” المَعلم الأشهر في الطنطورة المواجه للبحر، والذي أبقى عليه الصيادون – من خلال تخزينهم لمُعدات الصيد بداخله –  رُغم محاولات الكيان المستمرة في هدمه، ورفض ترميم الدار الآيلة للسقوط.

بعدها نجد فندق كبير مُحاط بحواجز سلكية، حيث الشاطئ ضمن مساحة الفندق، رغم اعتباره محمية طبيعية ولكنه مفتوح فقط لنزلاء الفندق، أو من يحصل على تصريح دخول مدفوع.

نتعجب هنا من تصميم الفندق، فهو مُصمم بنفس شكل وقبة مقام الشيخ “عبد الرحمن البجيرمي” القابع بجانبه، لنكتشف أنهم حاولوا خِداعنا بعد فشلهم – بمعجزة ربانيّة – في هدم المقام، لذا تحايلوا وأدخلوه ضمن مساحة الفندق لننسى أنه للفلسطينيين.

نقف الآن أمام البحر …. البحر هو الحرية .. الحياة … وجزء من تاريخ أهل الطنطورة وثقافتهم.

نتساءل .. هل مازال هناك صيادين؟

الصيادون في كل فلسطين عددهم 1000 صياد فقط. ولكنهم يعانون من التضييق والقوانين المجحفة، حيث تصريح الصيد لا يكون إلا بالوراثة، والكيان الصهيوني يضع تاريخ صلاحية لهذه التصاريح، حيث سيتوقف الصيد تمامًا بعد جيل الأحفاد الحالي فقط.

في معجزة حقيقية لم أشاهدها من قبل، نجد بئر “المِكر” …. بئر داخل البحر الأبيض .. ماء حلو وسط مياه البحر المالحة.

كان يشرب منه أهل الطنطورة، هو بئر إرتوازي أي تخرج منه المياه تلقائيًا بدون مضخة، نتيجة الضغط حيث تكون المياه محصورة بين طبقتين من الصخور.

وكالعادة يقفز في وجوهنا قانون صهيوني جديد يمنع بناء الآبار أو تجميع ماء المطر، أو سحب المياه من هذا البئر.

في تضاد سافر كيف سُمح لليهود أن يكون لديهم آلاف المقامات التذكارية حول العالم بل وإرسال رحلات لزيارتها، ولكنهم لا يعترفون بالمقابر الجماعية للفلسطينيين داخل الطنطورة، بل يرفضون إقامة نصب تذكاري أو وضع علامة لمقابرهم، فيهاجمون ويطردون كل من يحاول زيارة تلك المقابر لوضع الورود وإبقاء الذكرى.

يتعرض فلسطينيو الداخل للملاحقة المستمرة، والسجن والإيذاء والتهديد بالقتل عند تعبيرهم عن أنفسهم، حتى من مجرد Like على السوشيال ميديا، يمنعوهم من الحكي عن تاريخهم، عن المذابح، عن بكاء أهاليهم ومشاعر الفقد.

تُصر إسرائيل على منع مهاجري الشتات من العودة، والمطالبة بحقهم في أراضيهم، وبذلك تتربى الأجيال القادمة أن تلك الأراضي “كانت خالية ليست ملكًا أحد”.

بجانب الطنطورة، تم بناء قرية اسمها “عين حوض” أو مستوطنة “عين حوض”، حيث حولوها الكيان لقرية خاصة بالفنانين، نظرًا لجمالها وطبيعة بيوتها التي أبقوها  كما هي بعد ترميمها.

انتهت جولتنا … بين الغصّة والدموع .. والاشمئزاز من مشاهدة الصهاينة يستجمّون حول الشاطئ…

ولكن قبل أن نرحل سألْنا الأحفاد .. ماذا يمكننا أن نقدم لكم؟

————————

2 Comments

  1. آسر أحمد Reply

    شيء غاية في الإيلام.

    • Omnia

      معك حق، بس تظل الحقيقة أكثر قسوة رغم كل محاولاتنا للكتابة والتعبير
      شكرا على مرورك آسر

Leave a Comment