من وراء حجاب – تجربتي مع الحجاب

“حجاب” من تلك الكلمة الدارجة أكرهه، مع أني من صغري لم أجد مشكلة مع مَن يرتديه، كنت فقط استغرب أن جدتي ترتدي الحجاب تقريبًا طوال الوقت، ففي البيت هي تُغطي شعرها بإيشارب بيتي لدرجة كنت أتفاجأ وقت تمشيطها له بلون شعرها المختلط بين الذهبي والبني والأبيض والرمادي، وعرفت أني ورثت عنها الشعر الملوّن.

وعندما طلبت منها “إيشارب” أرتديه وأنا طفلة، كانت أطرافه تلامس الأرض، كنت أريد فقط أن أشبه جدتي الحبيبة لا أكثر ولا أقل .. ولكنني وجدت نفسي في دوّامة المدارس التي تُجبرني على ارتدائه من ضمن “اليونيفوم”، وممنوع خلعه مهما حدث لدرجة إنه تحوّل إلى جلدي، أنسى خلعه في البيت رغم أنني أتحوّل كحبة طماطم من شدة الحرارة وتراكم حبات العرق تحته لأتنفس بصعوبة … كان الحجاب يومها أسود اللون .. كأن الظلام قرر أن يظل قابعًا على صدري ولا أفهم السبب ..

حتى جاءت تلك اللحظة اللعينة التي تُسمى “بلوغ”، ليصرخ حينها فيّ أبي وأمي أنه الآن وفورًا سترتدي الحجاب للأبد.. ومنذ متى خلعته أساسًا؟ .. فأنا أسبح في السواد من صغري! ..

ولكن تهديداتهم وتوعّدهم لي بالضرب والإهانة، وكذلك بالنار في الآخرة جثم على صدري كصخرة لا تتحرك… شعرت بالغَدر .. شعرت بالتآمر علىّ وإنني أصبحت أسيرة تلك القماشة السوداء للأبد.

تمرّ سنوات عمري ثقيلة، أشعر إنني أعيش تحت أكوام الملابس .. أجدني بين حين وآخر أنفجر باكية من شعوري بالإختناق، تنتابني رغبة عارمة في التنفس .. أن أترك تِلال الملابس تلك وأفك قيدي .. لم تُرضي ملابسي أحدًا ابدًا رغم تغيّرها طوال سنوات حياتي على أمل أن “أكون تلك الفتاة الطيبة المهذبة التي ستدخل الجنة” ..

ولكنني أبدًا لم أحصل على صك الرضا والقبول من مجتمعي .. لا أعرف ماذا يريدون أن يُغطوا أكثر من هذا ..

لماذا علىّ أن أصلي وأقرأ القرآن وأدخل المسجد بالحجاب في مقابل الرجل يدخل بأي زي يُريحه؟

لماذا قد لا يقبلني الله – من وجهة نظرهم – بهيئتي رغم أنه ربي.. الذي يرانا في السر والعلانية؟

لماذا أصلّي في مكان ضيق خانق سيئ التهوية وكئيب كجُحر فأر لمجرد أنّي في صورة امرأة، ويُسمح لكائن آخر يُدعى رجل أن يحصل على المسجد الكبير، ومواعيد مُتاحة طوال اليوم في روضة الرسول في المدينة المنورة، ويُصلي عندما يريد وأينما يريد بدون أن تنشق الأرض عن أحدهم ليصرخ في وجهه أنه “عوْرة” ويجب أن يصلي بلباس فضفاض وليس بنطال وفي مكان بعيد عن الأعين والحياة لكي يقبل الله صلاته.

مع الوقت بإنشغالي بمحاولة ممارسة الحياة بالمُتاح الضيق، تفاجأت إن الحجاب تحوّل من مجرد قطعة قماش إلى ستار وجدار أتخفّى خلفه من الجميع … لدرجة أني عندما حاولت خلعه لدقائق ليتنفس شعري ورقبتي خِفت، خفت لدرجة الهلع وقاومت بشدة الدموع التي أصرّت على أن تنهمر خوفًا .. خوف من شيء ما مجهول .. خوف من الناس والحياة والهواء .. خوف تملّكني حتى في بلاد لا تعرفني، وبشر تمشي بجانبي لا تُميّز جنسيتي ولا لغتي .. غُربة ورعب أبدييْن.

لأنتبه أنني لا أذكر لي شكلاً بدون حجاب، كيف أبدو يا تُرى؟

كيف أصفّف شعري بدون حجاب .. هل رقبتي تبدو كشارع مهجور بدون شيء يحاوطها أم أنني أتوهّم ذلك؟.

لماذا عندما أحاول خلع غطاء الرأس قليلاً  في الأماكن الآمنة – إذا كانت هناك واحدة – ينتابني شعور دائم أنني عارية، وأنني العار يُزف في مهرجان التَنكيل بالمدينة كلها…

هل سيزول هذا الشعور .. لا أعرف .. هل سأظل محجّبة؟ هل سأخلعه ؟ حقًا لا أعرف …

ما أحاول الوصول إليه الآن هو اتخذ قراري بعد تفكير وتحليل لمشاعري وانتظار الوقت المناسب لي، فلا أريد أن أتحوّل لمجرد ردةّ فعل على إجبار عائلتي ومجتمعي على إرتداء الحجاب لأخلعه فقط لمعاندتهم .. ولا أن أرتديه فقط لأنه الشيء الذي أريد أن أتخفّى به عن الحياة خوفًا .. أو أرتديه لأنال رضا مخلوقات مثلي ..

لو قررت الإستمرار سيكون من أجلي .. ولو تركته سيكون ببساطة لأنه لا يناسبني،،

في النهاية به أو بدونه .. ليس هذا ما سيحكم علاقتي بربي وديني ومبادئي ..

Leave a Comment