ولكنها محاولاتنا أن نتذكر أننا بشر، قبل أن نكون مجرد مرضى أو مُقدمي رعاية

الزوجين “كيو” و “ياسنوري” هما أحد قصص الفيلم الياباني Cafe Funiculi Funicula/ Before the Coffee Gets Cold/ قبل أن تبرد القهوة.

تصاب الزوجة “كيو” بالزهايمر، تتسرب منها ذاكرتها شيئا فشيئا، لنجدها لا تذكر أنها متزوجة، أو بمعنى أصح لا تستطيع تمييز أن الرجل الواقف أمامها، ويعيش بالقرب منها هو زوجها الحبيب “ياسنوري”.

“ياسنوري” يعمل كممرض رغم سنه الكبير، وهذا ما جعله مؤهل بشدة للعناية بزوجته المريضة.

ولكن مع استمرار المرض، وصعوبة التعامل مع “كيو” وتهدئة خوفها الدائم من المحيطات، وخوفه أن تفقد طريقها للبيت يومًا ما فلا يجدها، واستمرار زوجته في الطلب أن يتم مناداتها بإسمها قبل الزواج وليس بإسم العائلة، حيد مشاعره بدون قصد منه.. لتتحول زوجته الحبيبة “كيو” للمريضة “كيو”.

يتصرف بآلية، هناك مواعيد للدواء وللأكل، يتتبعها عند الخروج ليتأكد من وصولها سالمة للمقهى الصغير لتشرب قهوتها المعتادة بدون سكر، وترى لحظات الجمال التي تنتج من دمج الحليب في القهوة السوداء … يرجع لها في ميعاد محدد ليصطحبها للمنزل قبل إغلاق المقهي .. جدول ثابت .. حياة روتينية مرهقة.

ليأتي خطاب تركته زوجته له قبل تفاقم وضعها الصحي كصحوة له، تخبره أنها تحبه، وأنها خائفة، وأنه ليس مجبر على التكملة معها في هذه الفترة القاسية، ولكن من كل قلبها سيظل هو زوجها الحبيب للأبد.

هذا بالضبط ما سقطت فيه مع أمي، بسبب مرضها لفترات طويلة، تعلمت أن أخبئ مشاعري، فرغم إنني كنت أراعي بشدة أن انتظر لها كإنسان لا كأمي مطالبة بأن تقوم بعملها الطبيعي كأم لطفلتها، إلا أن الروتينية كانت تتملك مني رغمًا عني.

أعرف ما هي أعراض النوبات، فأبدأ في تنفيذ المطلوب بالضبط بوجه خالي من التعابير/ Poker face، لا وقت للبكاء والتألم، لا وقت ولا طاقة نفسية ولا قوة للتجاوب مع حكاياتها والتفاعل معها، وخاصة أني أعرف أنها حكايات من الماضي عقلها يسترجعها مرارًا وتكرارًا.. أحاول عدم ربط النوبات مع أحداث اليوم لكي أصمد أنا ولا أنهار، فليست رائحة تلك الصابونة تعني أنها مقعدة، ولا تعني تلك الكلمات المازحة  أن النوبة تقترب وبشدة … فلا وقت لأي شيء .. نحن عالقين معًا في موقف لا ينتهي ويكرر نفسه ..

لأستيقظ على فترات متفرقة على أن حياة تلك السيدة صعبة بما فيه الكفاية، فأحثها على الخروج وشراء الأيس كريم، أو أحضر لها حلوى في البيت، أسعى لتنضم لجروب علاجي يتشاركوا فيه الهوايات، أتحمل عبئ زيارة صديقاتها للبيت والمبيت لكي لا تشعر بالوحدة، أشجعها للحديث مع صديقاتها في الهاتف، وأخذها للنزهة في أحد المولات.

الأمر ليس سهل ومؤلم ويحتاج طاقة نفسية كبيرة …. ولكنها محاولاتنا أن نتذكر أننا بشر، قبل أن نكون مجرد مرضى أو مقدمي رعاية.

#العناية_بالمرضى

#مقدمي_الرعاية

#خوف

Leave a Comment