صاحب الابتسامة المشرقة

::Photo credit goes to its owner::

دخلتُ الغرفة الضيّقة أتصنّع الهدوء والاعتيادية، محاولةً التغاضي عن ضربات قلبي السريعة كـ دقات طبول الحرب، وتوتّر عضلاتي وحلقي الجاف كحطبة ..

قررتُ أن أفرض على هذه الغرفة روحي فتُصبح كأي غرفة أخرى .. خلعتُ حذائي وتربّعت على السرير .. الحوائط البيضاء تُذكرني باليوم الذي صدمت رأسي بإحداها في محاولتي للهرب من الخوف ومن عفاريتي الداخلية.

جلس أمامي على الأرض وابتسم .. ابتسامته المشرقة أنارت الغرفة بالكامل.

فابتسمت وأخبرته I like your smile ، فابتسم لي في خجل.

ابتسامته أعطت للغرفة الدفء في لحظة .. ساعدني أن أصمد وأن أنسى الحيطان الضيّقة التي تحيط بنا ونجحنا في إنهاء عملنا.

تلك الإبتسامة صُنعت من تركيبة فلسطينية مكسيكية … إنجليزيته مُحببة

– لماذا تركت البلد التي كنت فيها؟

It’s a long story-

نويْت أن أعفيه من التفاصيل ولنتحدث عن شيئٍ آخر .. ولكنه استدرك قائلاً : “أنا لم أخبر أحدًا بهذا من قبل.

زفافي كان سيُقام خلال أيام .. ولكنّي هربت .. تركت كل شيئ وهربت …

…… صمْت ….

وكالعادة أقف مذهولة من حقيقة أن مَن يمكنه منح الدفء بهذا الشكل يُعاني من برودة وضياع يجتاحان عوالمه.

 I understand…-

فأشرق وجهه ..

حكيْت له كيف يمكن أن تُصاب بالهلع عندما تجد آخرين يقومون بتحديد حياتك .. يتناقشون ويرفضون ويوافقون ويُقررون بالنيابة عنك .. وأنت بينهم تنظر لهم في إرتياع.. تشعر بالإختناق .. الدائرة تضيق على رقبتك .. تنظر لمَن تُحب فتحاول أن تصمد أكثر ولكن أنت غير قادر على إخراج نفسك من دائرة الهلع التي وُضعت فيها … فجأة يصرخ فيك شيئ.. اخرج من هنا فورًا ..تُقاوم .. تختنق .. تموت بداخلك وتفقد نفسك.

وقفَ مشدوهًا من كلماتي .. فابتسمت له تلك الابتسامة العالِمة بالأمور بعدما ابتلعت مرارة ذكرياتي ………..  أنا أيضًا هربت.

فضحكنا بمرارة عندما اكتشفنا أن الإمارات كانت المحطة لأمثالنا …

أخبرني أنه أحبها بشدة .. ولا يصدق أنه كان بإمكانه جرحها بهذا الشكل.

شعرتُ بنفسي كأني سيدة عجوز تخبره بـ حكمة تجربتها: ” اعطِها وقتها فهي تُحارب شياطين المجتمع والعادات والتقاليد .. هي ستكرهك…  ليْس فقط لأنك سافرت فجأة بدون مقدمات .. بل ستكرهك في كل همسة من جارتها .. مع كل نظرة عيْن من زملائها .. مع كل لوْم من عائلتها .. تحمّلها أرجوك.

ثم راسلها بما تقوله لي الآن .. لا تخبرها أن فلان فعل ، وأن هذا خطأ عِلان .. بل أخبرها عنك أنت .. كم حاربت شياطينك .. عن الخوف الذي سكن الطُرق التي تجمع بينكما .. عن اللحظة التي فقدت فيها الرؤية .. عن اللحظة التي قررت فيها ألاّ تقتلها حينما تنظر في عيونك فلا تعرفك ولا تجد نفسها مُنعكسةً على صفحتها.”

صمَتْنا .. نظرنا معًا للواجهات الزجاجيّة لمحل الخياط الذي أمامنا وهو يقوم برتق قطعة القماش التي في يده بأقمشة مختلفة اللون .. صوْت ماكينة الخياطة يحكي المشاعر والكلمات المزدحمة التي وقفت في حلوقِنا ولم نستطع النُطق بها .. أنهى الرجل عمله ونظر لقطعة القماش في رضا .. لقد تحوّلت للوحة مُلونة جميلة.

simple Break

* من كواليس تصوير فيلمي الوثائقي .. تم حذف اسم الشخص، وأي دلالة عنه رغم أنه لا يعرف العربية، ولكنها احترمًا للإنسان قبل أي شيئ.

Leave a Comment